الوجه الآخر للجمال: هل يمكن أن يكون مصدراً للألم؟

إصنعي جمالك بنفسك
0
ظل امرأة يعكس الوجه الخفي للجمال وضغوطه النفسية والاجتماعية
الوجه الآخر للجمال: هل يمكن أن يكون مصدراً للألم؟


في مجتمعات تُقدّس الجمال وتربطه بالنجاح والقبول، يغيب الحديث عن الوجه الآخر له وجه مليء بالضغوط، الغيرة، والتحرش. في هذا المقال، نكشف كيف يمكن للجمال أن يكون عبئًا على المرأة، وأن يتحوّل من امتياز اجتماعي إلى مصدر ألم نفسي واجتماعي


الوجه الآخر للجمال: هل يمكن أن يكون مصدراً للألم؟


حين نتأمل مفهوم الجمال، يتبادر إلى الذهن فورًا طيف من الصور البهيّة، الإعجاب، والانبهار. لكن ما لا يتحدث عنه الكثيرون هو ذاك الوجه الغائم من الجمال، الجانب المعتم الذي قد يحمله المظهر الباهر. 

فهل يمكن أن يكون الجمال بما يحمله من وهج بابًا مشرّعًا للأذى؟ هل قد يتحوّل من نعمة إلى عبء؟ من امتياز إلى لعنة؟


الجمال... لعنة مغطاة بورق الهدايا


في مجتمعاتٍ تلتهم المظاهر بنهم، تُحاصَر المرأة الجميلة بنظرات تلتهم أكثر مما تُعجب. تصبح التفاصيل الدقيقة في وجهها، في جسدها، في خطواتها، محطّ تشريح بصري ونفسي. يُحتفى بها ظاهريًا، لكنها تُراقَب، تُرصد، وتُحاك حولها الظنون، حتى تُصبح وكأنها تسير في مرمى القناصة، لا تدري متى وأين ستُطلق رصاصة الحكم أو الغيرة أو الطمع أو الاتهام.

الجمال، إذًا، لا يُحاط فقط بالمديح، بل أيضًا بالحسد، بالنوايا الخفية، وبالتحرشات المقنّعة تارة، والمباشرة تارة أخرى.


حين يتحوّل الجمال إلى مرآة للغيرة


تعيش الجميلات في عالم مزدوج المعايير مَن حولهنّ قد يُظهر الود، لكن القلوب قد تغلي بنيران المقارنة. تُلاحَق الجميلة من زميلاتها، قريباتها، وحتى صديقاتها لا بفضول، بل بريبة. يُنظَر إليها كأنها خطر يهدد توازن العلاقات، كأنها شر لا بد من احتوائه. يُساء تفسير سلوكها، تُنسَج حولها الشائعات، وتُحمّل ما لا تقترفه.

كم من صداقة انهارت بسبب "جمال زائد"؟ وكم من علاقة تحوّلت إلى ساحة قتال لأن امرأة جميلة عبرت الطريق خطأً أو لم تُخفِ أنوثتها كما ينبغي؟


الجمال بوّابة للتحرّش: حين يتحوّل المديح إلى خنجر


في واقعنا المتصدّع أخلاقيًا، الجمال يُرى أحيانًا كدعوة مفتوحة للتعدي. تُلام الضحية على فتنتها بدل أن يُحاسب المعتدي على سُفاهته. تُقال عبارات مثل: "ما الذي ترتديه؟"، "لماذا تضعين هذا المكياج؟"، وكأن الجمال تهمة تستدعي العقوبة.

التحرّش لا يختار فريسته اعتباطًا، بل كثيرًا ما يكون مدفوعًا بشهوة ممزوجة بحقد تجاه الجمال. يريد المعتدي أن يُلوّث النقاء، أن يكسّر ما يلمع، أن يُسكت أنوثة تُذكّره بنقصه.


معاناة لا تُقال: عبء أن تكوني جميلة


وراء كل امرأة تُلقَّب بـ"جميلة"، حكايات لم تُروَ. آلام تلبس قناع الصمت. تتساءل بعضهن: هل يحبّني هذا الشخص لذاتي أم لمظهري؟ هل سيستمر في احترامي حين يتقدّم بي العمر؟ هل أنا حرة حقًا في خياراتي، أم إن جمالي يفرض عليّ سلوكًا معينًا؟

يُفترض بالجمال أن يكون حرية، لكنه يتحوّل أحيانًا إلى سجن من التوقعات. تُطالَب المرأة الجميلة بأن تكون دائمًا "لطيفة"، "مهذّبة"، "متزنة"، لأنها إن رفعت صوتها تُتهم بالغرور. وإن بَدت واثقة بنفسها تُتَّهم بالتكبّر.


بين التقديس والتشييء: مكانة الجمال في الثقافة


المرأة الجميلة تُقدَّس في الإعلانات، في الأفلام، في الإعلام. لكنها تُشيَّأ في الشارع، في أماكن العمل، وفي اللقاءات الاجتماعية. هذا الانفصام المجتمعي يجعلها ضائعة بين صورتها التي تُرسم في الأذهان، وحقيقتها التي لا يُسمح لها بإظهارها.

كم من امرأة جميلة فُرض عليها الصمت حتى لا تُتهم بالإغواء؟ كم من وظيفة رُفضت لها لأنها "لن تُؤخذ على محمل الجد"؟ وكم من مرة حُصر تقييمها في مقاييس جسدية باردة؟


الجمال كعامل ضغط نفسي


المرأة الجميلة ليست بمنأى عن القلق. بل قد تعيش تحت ضغوط نفسية مضاعفة: الخوف من فقدان الجمال مع الزمن، من مقارنات لا تنتهي، ومن معايير تتبدل بتبدل "الترندات".

الهاجس الدائم في الحفاظ على الصورة، على الوزن، على الشباب، يجعل الكثيرات يعشن في توتر دائم، يتتبعن كل منتج جديد، كل تقنية، كل روتين جمالي وكأنهن في سباق مع الزمن، أو مع خيالات المجتمع حول الكمال.


الغيرة... الوجه الأكثر خفاءً


ليست كل غيرة صاخبة، بل كثير منها صامت، قاتل، يتغلغل في النظرات، في النكات، في التلميحات الخبيثة. بعض النساء يبتعدن عن صديقات جميلات ليس لعيب فيهن، بل لأن وجودهن يكشف النقص الخفي في نفوس الغيورات.

 والرجال، أحيانًا، يُطيلون النظر لا إعجابًا بل تحديًا، وكأن الجمال يحتاج إثباتًا أو إذلالًا.


بين الامتياز والوصمة


الجميلات يُعاملن أحيانًا كأنهن حصلن على كل شيء بسهولة: فرص العمل، الحب، القبول. لكن الحقيقة أبعد ما تكون عن ذلك. فالجمال لا يمنح دائمًا امتيازًا، بل يُرافقه ثمن باهظ العزلة، الشك، التعدي، المقارنة المستمرة.


هل الحل في إخفاء الجمال؟


تتساءل كثير من النساء هل أخفي جمالي لأحمي نفسي؟ هل أُطفئ نوري كي لا يُنظر إلي كفريسة؟ هذا التساؤل مؤلم، لأنه يفضح خللاً بنيويًا في تصورنا للجمال والحرية. 

الحل لا يكمن في إخفاء الجمال، بل في إعادة تعريف نظرتنا له. أن نُحرّر الجمال من التشييء، ونحرر النساء من الاتهام.


خاتمة: حين يصبح الجمال مقاومة


أن تكوني جميلة في مجتمع يرى الجمال خطرًا هو نوع من المقاومة. أن تتمسكي بأنوثتك، بثقتك، بصوتك، دون اعتذار، هو فعل شجاع. 

الجمال ليس خطيئة، بل انعكاس لروح حرة. لكن ليبقى الجمال نعمة، لا بد أن نحميه لا بأن نُخفيه، بل بأن نحترمه ونُعيد إليه معناه الإنساني العميق.



إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!