الجمال بين الرضا عن الذات وتقلّبات نظرة الآخر

إصنعي جمالك بنفسك
0

صورة رمزية لامرأة تغطي وجهها أمام مرآة مكسورة، تعكس الصراع بين الرضى عن الذات ومعايير الجمال المفروضة من المجتمع
  الجمال بين الرضا عن الذات وتقلّبات نظرة الآخر


تنظر المرأة إلى المرآة، لا لتتفحّص فقط ملامحها، بل لتقرأ فيها قصة طويلة من الأحكام، التوقّعات، والاشتياقات غير المعلنة. ليست المسألة انعكاسًا سطحيًا لوجه مألوف، بل صراعًا مكتومًا بين ما تراه هي، وما يراه الآخرون فيها.

 الجمال، هذه الكلمة التي غالبًا ما تُقال بخفة، تحمل في طيّاتها أثقالًا من المعايير، والتناقضات، والأدوار المفروضة.

في العمق، لا يمكن اختزال الجمال في ملمس بشرة أو تناسق ملامح، لأن هذا المفهوم الضبابي أُقحم في مقاييس جماعية صارمة، حوّلته من إحساس ذاتي إلى اختبار علني. وفيما تُحاصر النساء يوميًا بصور مثالية على الشاشات، وبتقنيات تجميلية تعِد بالتحوّل السريع، تنمو داخلهنّ فجوة بين الذات وما يجب أن تكون عليه.


حين يُصبح الجمال مقياسًا للقبول الاجتماعي


الجمال، كما يُصوّره الإعلام التجاري، لم يعد خيارًا شخصيًا بل بطاقة عبور إلى القبول، والاهتمام، وأحيانًا حتى الاحترام. المرأة التي تُطابق تلك المعايير تُعامَل بلُطفٍ غير مفسَّر، وتُمنح فرصًا قد تُحرَم منها أخرى لا تُشبه هذا النموذج المصنع. يُصبح الجمال أداة تفاوض غير معلنة، تُحدّد المسارات وتُوزّع الامتيازات.

لكن هذا لا يعني أن النساء يسعين دومًا لإرضاء الآخر. فهناك نزاع داخلي متأرجح: بين رغبة صادقة في الشعور بالاكتمال، وبين ضغطٍ خفي يدفعهنّ إلى التكيّف. كل محاولة لتعديل مظهر ما، تُطرح معها أسئلة صعبة: هل أفعل هذا لنفسي؟ أم لأنني تعلّمت منذ الطفولة أن القبول مرهون بالمظهر؟


وقد تناولنا في مقال هل الجمال مسألة ذوق أم معايير؟ كيف تتشكل نظرتنا الجماليه وما إذا كانت فعلا حرة أم مبرمجة إجتماعيا


الرضا عن الذات... معركة صامتة


أن ترضى المرأة عن شكلها، هو فعل مقاومة في زمن يقيس القيمة بالشكل. الرضا هنا لا يعني الاكتفاء، بل يعني احتضان الذات بجمالها المتغيّر، وبملامحها التي تخطّها الأيام. إنه قرار بالتصالح مع الجسد، لا بالخضوع لتطلّبات الخارج.

لكن الوصول إلى هذا الرضا ليس سهلًا. كيف تُقنع نفسها بأنها جميلة، بينما يُعاد تذكيرها كل لحظة بأنها تحتاج “تحسينًا”؟ كيف تُعيد تعريف الجمال خارج قوالب إنستغرام وفلاتر تيك توك؟ المسألة تتطلب شجاعة نفسية، لا مساحيق ولا عمليات.


مواقع التواصل... مرآة مشوّهة


في عصر السرعة الرقمية، صارت الهواتف الذكية مرآتنا الجديدة. نُمرّر صورًا ناعمة، بوجوه مفلترة، نبتسم فيها بابتذال وهميّ، ثم نغلق التطبيق ونعود إلى شعور ناقص. هذه الصور لا تعكس الحقيقة، بل تُصنّع وهمًا جماعيًا، تُقارن فيه المرأة نفسها بمثالية غير قابلة للتحقيق.

في كل منشور “قبل وبعد”، تُشعل المقارنات. تُقارن المرأة نفسها بما يجب أن تكون عليه، لا بما هي عليه فعلًا. وتُصبح رحلة الجمال كمن يسير فوق حبل مشدود بين قبول الذات وملاحقة نسخة وهمية.


وهذا ماتناولناه بعمق في مقال المرأة والفلاتر الجمال الرقمي وتأثيراته النفسية على المرأة


المعايير تتبدّل... فهل نلاحقها؟


اللافت أن معايير الجمال نفسها تتغيّر كل عقد، كأنها موضة موسمية. ما كان يُعتبر جميلًا في التسعينات يُعدّ اليوم “قديم الطراز”، وما يُروَّج له اليوم، قد يُصبح غير مرغوب فيه غدًا. فهل يجب أن نعيد تشكيل وجوهنا وأجسادنا كلّما قرّر السوق تغيير الصيحة؟

هذا اللهاث خلف الجديد، لا يُرهق الجسد فحسب، بل ينهك النفس. ويزرع في العقل الباطن فكرة أننا لا نكفي كما نحن. لكن الحقيقة الأعمق، أن الجمال لا يمكن له أن يكون حقيقيًا إذا لم ينبع من انسجام داخلي.


الجمال كهوية... لا كمشروع استهلاكي


حينما نُعيد تعريف الجمال كحالة شعورية، كسلام داخلي مع الذات، وكقبول صادق للقصص التي تحملها ملامحنا، نبدأ في استرجاع ملكيتنا لهذا المفهوم. نبدأ في النظر إلى أنفسنا ككائنات كاملة، لا كـ"مشاريع تطوير" تنتظر التحسين.

أنوثة المرأة ليست سلعة، ولا وجهًا بلا مسام. هي حضور، وصوت، ونظرة، وتفاصيل صغيرة يصعب محوها حتى بالمرشّحات. وهي أيضًا لها حقّ في أن تظهر كما تشاء، من دون أن تُحاسب على اختيارها في أن تكون بسيطة أو متكلّفة.


إقرئي أيضا : تسليع الجسد الأنثوي حين يتحوّل جمال المرأة إلى سلعة على رفّ السوق


حين تتصالح المرأة مع مرآتها


في اللحظة التي تنظر فيها المرأة إلى المرآة وتبتسم لنفسها بدون أن تُعدّل زوايا الإضاءة أو تخفي الخطوط الرفيعة، تكون قد كسرت دائرة المقارنات. هذه ليست لحظة عابرة، بل انتصار صامت على مئات الرسائل التي أُرسلت إليها لتُقنعها بالعكس.

أن ترضى المرأة عن نفسها، لا يعني أنها ترفض التجميل، أو تهمل مظهرها، بل يعني أنها تفعل ذلك لأنها تُحب ذاتها، لا لأنها تكره ما تراه. هذا التحوّل في النية هو ما يصنع الفرق.


الختام...


 الجمال ليس مطارًا نهبط فيه، بل طريقٌ نسلكه

الجمال ليس وجهًا خاليًا من التجاعيد، ولا جسدًا بلا “عيوب”، بل هو كيف تشعر المرأة في داخلها. كيف تحكي قصتها دون خجل من تفاصيلها. هو حضور يتجاوز الألوان والمقاسات، ويُلامس القلب قبل العين.

ربما على كل امرأة أن تتوقّف للحظة، تتنفّس بعمق، وتقول لنفسها: "أنا كافية. كما أنا."

هذه الجملة وحدها، قادرة على أن تُعيد ترتيب كل الفوضى التي زرعتها صور العالم في قلبها.




إرسال تعليق

0تعليقات

إرسال تعليق (0)

#buttons=(Ok, Go it!) #days=(20)

Our website uses cookies to enhance your experience. Check Now
Ok, Go it!